(3) رحالة الصحراء – هل تختار الجمل المناسب لك على طريقة فيلم أفاتار؟

قياسي

في تمام الساعة ٥:٣٠ رن منبه جوالي فاستيقظتوقمت بما يقوم به المستيقظ من النوم (…!!) وعدت لترتيب كي أرتب كيس نومي وأغراضي ثم اتجهت لنار المخيم وقد تحلق حولها أبو عطا الله (دليل الرحلة)  وأبو محمد (علي السوداني) وابو فايز (دليل رحلة تجربة الجمال) وقد جهزوا “قهوي” (أهل الشمال من شمَر ينطقون الهاء والتاء المربوطة في آخر الكلمة ياء ، قهوة = قهوي) والشاي والحليب بالزنجبيل وقد سبقني إليهم عبدالعزيز العمران ثم انضم إلينا طارق السديري تلاه الدكتور بدر البدر ثم توافد بقية الرحالة وظهر لنا جلياً أن عبدالعزيز لم ينم إلا ساعة أوأقل لأنه اختار كيس نوم متقدم تكنولوجياً خفيف الوزن نحيفاً كنت أظنه كيس وسادة من الحجم الكبير 🙂 بعدها أصبح إقناعه بأخذ كيس نوم يزن بضعة كيلوجرامات كان في (اللوري) المخصص لحمل الأغراض -التي لانرغب بها لنقطة النهاية – سهلاً جداً!

قام أبو محمد بعجن دقيق البر الأسمر وصنع قرصين كبيرين سميكين بينما قام أبو فايز وعباطة بتمهيد الأرض بجوار نار المخيم ثم بدأ بسحب قطع من الجمر وفرشها على المنطفة الممهدة وبعدها وضع أبو فايز القرصين عليها ثم دفنهما بالرماد الساخن والتراب وهي أكلة بدوية لها عدة أسماء منها الجمرية أو قرص الملَة (بتشديد اللام) والملة كلمة عربية فصيحة وردت في أحد الأحاديث عن صلة الرحم ومعناها الرماد أو الرماد الساخن.

مراحل خبز (الجمرية) قبل الفجر

 

القرصان جاهزان للخبز

بدأ الخبز الآن

ألذ خبز تبدأ به يومك بعد ليلة قارسة

بينما نضج القرصان قام ابو محمد بتجهيز الفول من (قوطي) وزيت زيتون من انتاج منطقة الجوف – والجوف مشهورة بزراعة الزيتون وأنصحكم بالبحث عن زيتونهم في المرة القادمة عندما تذهبون للتسوق – وأفطرنا فطوراً رائعاً بنكهة التراب الصحراوي وقد تعلمنا خلال الرحلة أن نمضغ الأكل نصف مضغة أي لانطبق اسنانا خلال المضغ بالكامل حتي نتفادا ذرات التراب المميزة وجل أن يخاو أكل الصحراء منها!

بعد الإفطار قام عباطة وعلي السوداني بفك الجمال والنوق من عُقُلها وإحضارها وإناختها بجوارنا (وتتم إناخة الجمل أو الناقة بشد الرسن أو الخطام للأسفل مع الضرب البسيط على رجل الجمل أو الناقة والصياح عليها بكلمة “خيا..خيا..خيا” بصوت عال) لكي يتم تحميل الأغراض التي نرغب بحملها معنا أثناء الرحلة بالاضافة للماء والأكل وأغراض الطبخ وشعير كعلف للإبل ومازاد تم وضعه في (اللوري) الذي سوف يقابلنا فقط في نهاية الرحلة في مدينة حائل.

انطلق (اللوري) والسيارة التي اوصلتنا للمخيم ومعهم أبو فايز دليل رحلة تجربة الجمال الذي قدم بها من حائل وبدأ عبدالعزيز العمران باختيار أول جمل (سمه حمران ولعله اختاره لأن اسمه يتناغم مع العمران مثلاً) وبدا للجميع أنه لم يكن بين عبدالعزيز العمران وجمله حمران أي (كيميستري) من البداية.. فالجمل يهدر (يصدر صوتاً مزمجراً مهدداً) ويصيح وعبدالعزيز يهدد بالخيزرانة ويضرب الجمل من حين لآخر.. بعد تحميل أغراض عبدالعزيز على جمله، قام عباطة بمسك رسن الجمل على يركب عبدالعزيز على ظهره وما أن أحس الجمل ببداية ركوب عبدالعزيز امتشط واقفاً قبل أن يستوي عليه جيداً ووقف وكان أول من امتطى ركاباً ذلك اليوم فلله دره من فارس مغوار:)

الاستعداد للانطلاق في اليوم الأول

لما رأيت عدم التوافق بين عبدالعزيز وجمله اقترحت على المجموعة أن تقوم الجمال باختيار من يركب على ظهرها على طريقة فيلم”أفاتار” ولكن اقتراحي لم يلق إعجابهم لأنه يتطلب أن ننتظر حتى تنبت لنا ذيول “لنشبكها” بذيول الجمال لمعرفة التوافق من عدمه!

كنت ارمق بكرة (أنثى الناقة الصغيرة) تسمى (عيدة) لأنها قامت وهي مقيدة اليد.. ثم تم إناختها وتقييد (ربط) مقدمتيها فقطعت قيداً وقامت مقيدة اليد الأخرى فأعجبني نشاطها واخترتها!

وقد كان مازن الجبير رمقها بعينه في المرات التي قامت مقيدة اليدين فعرضتها عليه ولكنه أصر بما أنني اخترتها أولا فإنها لي ولا أدري هل كان يعني ذلك فعلاً أم أنه خاف من جموحها وانتهى به المطاف على ظهر جمل اسمه (حيدر) ولاسم الجمل قصة عجيبة ولكنها قصة “مشفرة” غير قابلة للتداول خارج مجموعة الرحالة لأنها (Rated)!

محمد القويز امتطى ظهر ناقة اسمها (السياحية) ولها من اسمها نصيب كما اكتشفنا لاحقاً وكان ثاني شخص يركب (رحوله) وانتظر هو وعبدالعزيز على رحولهما حتى يجهز بقية الرحالة!

فهد العمران أيضاً لم يكن حظ ناقته أفضل من جمل ابن عمه فقد بدى عدم التفاهم بينهما من البداية ولا أدري هل “العمران كزينز” لديهما مشاكل متأصلة مع الحيوانات أم أنها صدفة فقط.. في نهاية الرحلة كانت خيزرانة فهد قد تشققت من الأسفل من كثرة استعمالها!!

انطلق الجميع في الرحلة الجديدة علينا كلياً ما عدا طارق وعباطة وقد لاحظت من البداية أن ناقتي الصغيرة (عيدة) سريعة نشيطة فأاطلقت تسبق الجميع بما فيهم دليل الرحلة وكان عباطة يوجهني يميناً يساراً كلما حُدت عن المسار الذي في باله ثم بعد فترة اضطررت أن أتأخر حتى أمشي خلفه.. كانت (عيدة) حساسة جداً من منظر العصا بيدي فوضعتها في “الخرج” وهما جيبان كبيران يوضعان على شداد الجمل وتوضع به أغراضاً مختلفة.. كان استخدام “الرسن” لتوجيه ناقتي يمينياً ويساراً يكفي حيث لم أكن بحاجة لحثها على السرعة بل في الغالب تقنين سرعتها!

وانطلقت القافلة والصورة من على ظهر ناقتي عيدة

كنت حريصاً على أن أظهر بالراكب المحترف حتى يصدق طارق كذبتي البيضاء حيث قلت له أني خبير في ركوب الجمال عندما حدثني قبل الرحلة والواقع أن آخر عهدي بركوب الجمال كان قبل عقدين من الزمان في قريتي الصغيرة في جنوب جيزان!

كلما مضى وقت لاحظت افتراق وتباعد المجموعة..أنا وعباطة وطارق في المقدمة.. يلينا الدكتور بدر ثم مازن ثم القويز والعمران كزينز.. كان صوت القويز (يلعلع) خلالها بالتنكيت والنشيد والغناءعلى الطريقة البدوية بأغنية فيروزية (بتمرق علي امرق ما بتمرق ما تمرق مش فارقة معاي مش فارق معاي..) ليست لها علاقة بالموضوع وهذا اجتذب الجماهير حوله وكان عباطة الرمالي يتهمه بتأخير سيرنا وكلما سمع القهقة العالية خلفنا كان يقول ويضري رأسه “أويلييييه يالقويز” 🙂

بعد حوالي 3 ساعات من الركوب قررت أن أترجل لأنه هذا أحد أهم أسباب انضمامي للرحلة وهو المشي للوصول لأقل من 70 كيلو ليلة رأس السنة.. انضم إلي الدكتور بدر ثم طارق وعند أحد المرتفعات لم يستطع (حيدر) جمل مازن الصعود وبرك وتلته (سياحية) القويز فسارا على الأقدام حتى وصلنا نقطة استراحة الظهيرة في الساعة 12 ظهراً حيث توقفنا وقام عباطة بإشعال النار لطبخ الشاي والقهوة وهنا أخرج مازن “تشكوليت تشيبس كوكيز” كانت مخبأة لديه (تهريب) وأكلنا بقية الجمرية التي أفطرنا منها وصلينا الظهر والعصر جمعاً وقصراً ثم قررنا المواصلة!

تنازلت عن ناقتي (عيدة) للقويز ورغبت بتجربة ناقته (السياحية) التي يبدوا أنها قررت إلغاء الرحلة ورفضت القيام من مبركها فتركتها لأبي محمد ليشبكها مع ناقته وأنطلقت مشياً على الأقدام وشاركني المشي الدكتور بدر وطارق السديري واستمر بنا المسير حتى الساعة 5 قبل المغرب فتوقفنا وأنزلنا أمتعتنا من على ظهور جمالنا ووضعناها في أماكن نومنا وانتشرنا نجمع الحطب قبل الظلام لنتسخدمه في طبخ العشاء والتدفئة خلال التسامر وفي الطبخ فجراً وبدأ طبخ الشاي والقهوة وصلينا المغرب والعشاء ثم بدأ طبخ كبسة العشاء من لحم الضأن المجفف (قفر) بفتح القاف والفاء وأخرج عبدالعزيز العمران أنواع الكليجة (المهربة أيضاً) والقويز أخرج أكله اسمها “العفيس” ومازن يعرض علينا الكوكيز.. الغريب أن القويز كان قد أكد قبل الرحلة على أنها رحلة (هارد كور) والأكل هو اللحم المجفف والخبز الذي نخبزه!

بعد العشاء أكد علينا قائد الرحلة (طارق السديري) أهمية الوقت لنصل لنقطة النهاية في اليوم المحدد وأننا تأخرنا في الانطلاق في اليوم الأول بسبب أننا لأول مرة نجهز الجمال ونمتطيها ولابد أن نتحرك غداً في تمام الساعة 8 صباحاً حيث قطعنا في اليوم الأول 26 كيلو متراً.. بعد العشاء انطلق كل إلى كيس نومه -وكان الجميع مرهقاً- وبقيت أنا وعبدالعزيز ندخن السيجار والسجائر نناقش البطالة والسعودة حتى الساعة 11 مساء وكنت متهماً من قبله بأنني مستمع سيء لأني لا أعطيه فرصة إبداء رأيه في ذلك النقاش فاتفقنا على أن نختلف ونواصل النقاش لاحقا..

ذهبنا للنوم وعلى نقيض الليلة الماضية لم أشاهد ذلك النور الأحمر يشع من جبهة الدكتور بدر.. حيث عم السكون ولم يقطعه إلا شخيرمحمد القويز الذي عزف على جميع المقامات..

يتبع ((4)رحالة الصحراء – مافيه روه لازم قهوة إند أمي)

اترك تعليقاً على التدوينة

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s