استيقظنا مبكرا كالعادة في صباح يوم الاثنين متوثبين مستعدين لتحقيق هدف الرحلة بالوصول لمدينة ‘جبة’ التي ينطقها عباطة الرمالي ‘جُبَّيْ’ وتحلقنا – كعادتنا الصباحية – حول نار المخيم ليدب الدفئ في أجسامنا ونشرب القهوة العربية ونتناول معها التمر ونشرب الشاي والحليب.
أذن الزول لصلاة الفجر وكانت المرة الاولى التي يؤذن فيها بشكل صحيح وكامل حيث كان دائماً ينسى ‘الصلاة خير من النوم’ ويذكره عباطة بعد أن ينتهي فيصيح ‘الصلاة خير من النوم’ وصلينا الفجر وبعدها جلسنا ننتظر إفطارا مميزا هذا اليوم لأنه بالاضافة للفول المطبوخ بزيت الزيتون المنتج في الجوف فإننا اليوم سوف نستمتع بكبدة خروفنا الذي أكلنا بقيته البارحة ولم نحتج لحفظها في ثلاجة خلال الليل نظراً لبرودة الجو فوضعها الزول في قدر احكم غطاءه وتركه على رمل النفود!
نضج قرصا الجمرية وجهز الزول الفول والكبدة وأكلنا مودعين آخر إفطار بنكهة الرمال وراقبنا الشمس تنشر أشعتها على هذه الصحراء الشاسعة ويظهر في الأفق البعيد جبل جبة الذي ترقد في اسفله بهدوء مدينة جبة!
بينما أنشغل الزول وعباطة بجمع أدوات الطبخ ووضعها في خُرجْ كل جمل، انطلق كل منا ليجلب جمله من مَبْرَكِه وكان وضع ‘الخرج’ سهلاً لأن جلها أصبحت فارغة الا من جوالين الماء الفارغة أيضاً وقام الزول بتذكر راس الخروف الذي وضعه على النار قبل نومنا كما هو بشعره لكي ‘يُشَوِطُه’ على النار ثم دفنه في حفرة بها جمر ورماد ساخن وفي تمام الساعة الثامنة انطلقنا صوب جبل جبة فتقدم عباطة وكنت خلفه على ناقة القويز ‘السياحية’ حيث رأيت في إعطائه ناقتي النشيطة للقويز حافزاً للسرعة وكان فهد معنا حيث نسمع تارة صوت خيزرانته تعانق جسد جمله أو صوت جمله يصيح معترضا على هذه الوسيلة للتفاهم. بدأ ثلاثتنا يبتعد عن بقية الرحالة واذا عرف السبب بطل العجب.. عاد صاحبنا القويز لكامل صحته والحمد لله ومع هذا عادت روح الفكاهة وتقليد البدو فاجتمع حوله الجماهير وكنا بين الحين والآخر نسمع صوت ضحكات صاخبة فيصيح عباطة الرمالي كالعادة ‘أويليييييه يالقويز’!
في هذا اليوم بلغت سيطرة عبدالعزيز على جمله بأكمل صورها بعد أيام من التعامل بالخيزرانة الحية وبدأ يستعرض مهارته في الركوب ليقف على ظهر الجمل مما أفقد عباطة الميزة التي استعرضها علينا قبل يومين وقمنا بتشجيع ابن المدينة واحتفلنا بهذه المهارة!
كلما مضى وقت اكثر كلما زادت المسافة بين مجموعتي الرحالة وفجأة انسل القويز من بين جماهيره وانطلق صوبنا معتمداً على سرعة ونشاط البكرة ‘عيده’ فماهي الا لحظات وكان رابع الاربعة المتقدمين وتقدم يسابق عباطة فلا نراه الا ‘مُدَرْهِمَاً’ اي راكظاً بناقته!
بعد أن ابتعدنا بمسافة كبيرة عن بقية الرحالة – وكان النهار قد مضى أكثر من نصفه – قررنا انتظارهم حتى نحثهم على البقاء معا فاعتلينا رابية فإذا بجبل جُبَّة يشمخ غير بعيد أمامنا فأنخنا رحالنا لتستريح حتى يصل بقية المجموعة.
عندما وصلت بقية المجموعة اتصلنا لنتأكد من أن ‘اللوري’ الذي غادرنا صباح الخميس متواجدفي نقطة الالتقاء لأن به أغراضا تخص بعض الرحالة ثم لمعت لنا فكرة أن نطلب سيارة تقابلنا عند ‘اللوري’ نأخذها وننطلق لحائل للبحث عن فندق لنستحم ونغير ملابسنا ونجهز للعزيمة ثم نعود الى جُبَّة لحضور العزيمة فلا نزعج مظيفنا بروائحنا ‘الجملي’ وأشكالنا المزرية فكانت فكرة رائعة وقمنا بالاتصال لتجهيز سيارة تكفي لحمل الرحالة بعفشهم!
من تلك النقطة انطلقنا صوب نقطة النهاية يمشي البعض جارَّا رحوله والبعض راكباً ونحن بين مشاعر الفرحة بإتمام رحلتنا خلال صحراء النفود وبين مشاعر الحزن لأنتهاء هذه الرحلة المميزة بعد أن تآلفنا مع بعضنا البعض وحتى مع جمالنا ونوقنا!

صورة إنجاز المهمة لرحالة الصحراء، من اليمين أنا ثم فهد وعبدالعزيز العمران والقويز ثم عباطة يليه مازن وطارق ثم علي السوداني
في نقطة الوصول لمحنا ‘اللوري’ وسيارة لاندكروزر فبدأ الماشي يسرع والراكب ‘يدرهم’ حتى وصلنا نقطة النهاية وبدأنا في تخليد هذه اللحظة بالصور كل منا ممسك برحوله وكان منظراً رائعاً جذب إلينا شخص كان ماراً في طريقه فعرج علينا يعزمنا لديه!!!!
سلمنا الجمال والنوق لعباطة والزول ليتم تحميل بعضها في اللوري وقمنا بتحميل متاعنا في السيارة التي أخذناها من صاحبها حتى تكفينا وقاد طارق متجهاً بنا الى حائل التي لا تبعد كثيرا عن جبة. بدأنا نبحث عن فندق قولدن توليب وقوقلنا عن رقم هاتفهم وحين وصلنا حائل اتصلنا بهم ولكن لأننا لأنعرف أين يقع منتزه الامير سلطان او مبنى الاتصالات السعودية اضطررنا لسؤال المارة !
وبينما نحن نلف في شوارع حائل لمح مازن الجبير في أحد الشوارع لوحة زرقاء مميزة لا تخطئها عين سكان الرياض فصاح بأعلى صوته ‘هررررففيييييي’ فكبر من كبر وهلل من هلل وترددت في السيارة مفردات لم نسمعها منذ فترة مثل ‘فرينش فرايز’ و ‘اونيون رينقز’ و ‘تشيز كيك’ وصمم مازن أن نتوقف لدى ‘هرفي’ فقام طارق بركن السيارة في الجهة المقابلة ونزلنا شعثا غبراً متجهين للمطعم فدخلنا وساورني اعتقاد بأننا سوف نطرد وأظن أننا طُردنا ولكن ‘طنشنا’ حيث استولى الرحالة على عدد الكراسي القليلة في المطعم وأثناء طلب الاكل سألنا الكاشير ‘هنا والا تيك أواي؟’ وكان القصد ‘خذوا الاكل واطلعو الله يرحم والديكم’!!
ونحن بانتظار الطلبات، لمحنا باباً صغيراً مكتوباً عليه ‘رجال’ فتواثبنا وقلنا نحن الرجال ورب الكعبة فانطلق القويز ودخل – فاصل اعلاني قصير – وخرج يسأل من هذا الذي رأيته في المرآة؟؟؟ حيث لم نر وجوهنا منذ صباح الأربعاء الماضي وطارق الذي سبقنا بأسبوع لم ير وجهه منذ أسبوعين!
طبعا خلال الرحلة كان الذهاب للحمام – وهي عبارة مجازية تعني الابتعاد عن المجموعة مسافة ١٠٠ متر والاختباء خلف شجيرة – محدوداً حيث عانى الجميع من الإمساك فيما يبدوا ولعل سبب ذلك نفسي اكثر منه عضوي وكنا نحرص ان لا نشرب الكثير من السوائل ليلاً لان القيام ‘للحمام’ في ذلك البرد مخاطرة عظيمة!
ولجت باب حمام مطعم هرفي بعد ذلك فتفاجأت من لوني المحروق وشفاهي المشققة وعدم التفريق بين الشعر الابيض في رأسي والرمال التي اختلطت به – وخرجت بعد أن فتح الله على!
بينما بدأت الطلبات تجهز، قال مازن ممازحا ‘ماعندهم رمل فور سيزنينق؟’ فحك عبدالعزيز مقدمة رأسه فهبت عاصفة رملية على الطاولة وتضاحكنا بطريقة جذبت انتباه بقية من كان في المطعم!
بعد أن أكلنا في المطعم ركبنا السيارة لنكمل رحلة البحث عن فندق قولدن توليب وبعد ربع ساعة وصلنا فأوقفنا السيارة خارج الفندق وجلسنا نتناقش هل لو كنا موظفي استقبال في هذا الفندق ودخل علينا ٦ أشخاص في مثل هيئتنا يسألون عن غرف شاغرة فماذا سيكون جوابنا؟ طبعا الاجابة لا تحتاج ذكاءاً ‘لا يوجد لدينا غرف الليلة’!
اتفقنا أن نرسل أوسمنا وأكثرنا ‘كشخة’ ليدخل قبلنا ويحجز ٣ غرف وبعد أن نضمن أن كروت الغرف بيده يأتي ويخبرنا لننزل!
نجحت الخطة ونزلنا وحمل كل منا شنطته الكبيرة ودخلنا بهو الفندق فجذبنا الأنظار خاصة وأن القويز كان يخطط لطردنا حيث رفع صوته متحدثا ‘يا كبرها كبراه ذي الخيمة، أشلون بنوها.. وش هو ذا القزاز.. وين البل حقهم…’ وكنت المح من بعيد موظفي الاستقبال وعلامات الندم بادية عليهم من إسكان من هذه العينة من العملاء!
أنطلقت المجموعة الى غرفتين في الدور الثاني وأعطوني كرت غرفة ٣٠٩ في الدور الثالث فاستغربت من إفرادي لوحدي في غرفة بينما يتشاركون في غرفتين فأقنعت نفسي أنه بسبب بقائي للغد حيث رحلتي إلى جدة بينما سوف يغادر الجميع إلى الرياض قبل منتصف هذه الليلة.. كان هناك احتمال واعتقد أنه ضعيف جدا (….) وله علاقة برائحتي مثلا 🙂
دخلت غرفتي ووضعت شنطتي على الارض ثم نثرت ما بها داخل الحمام وقمت قبل الاستحمام بنفض جميع اغراضي ونفض الشنطة حتى يخرج منه التراب وبعد الانتهاء من هذه المهمة كان بداخل الحمام تل صغير من رمال النفود!
بعدها بدأت الاستحمام الذي استهلكت فيه جميع أدوات الاستحمام التي وفرها الفندق ولم أر رغوة الشامبو الا بعد الغسلة الثالثة او الرابعة! ثم حلقت فزاد ذلك من ظهور وجه محروق وشفاه لم تكن بعيدة عن شفاه الجمل!
كان مايزال لدي آخر طقم ملابس ‘نظيف’ عبارة عن جينز وتي شيرت فلبست وكشخت واتصل بي طارق طالباً أن احضر اذا جهزت للغرفة ٢٠٥ وحضرت فتفاجأت بمن رايت وتعرفت على هذه الشبيبة الكاشخة النظيفة واكثر شخص اختلف شكله كان طارق الذي لم يحلق منذ اكثر من ٣ أسابيع!
سبقتهم لبهو الفندق وعندما خرجوا وعملوا ‘تشيك آوت’ كنت المح موظفي الاستقبال مستغربين متسآئلين هل هذه نفس المجموعة التي دخلت قبل اقل من ساعتين؟ ولو كنت مكانهم لتسائلت عن كيف سيكون حال الغرف التي نفضوا فيها ماكان بهم من ‘خياس’!!
انطلقنا بعدها لحضور دعوة شرب قهوة لدى أحد وجهاء حائل الذي بسبب علمه بوجود ‘معزب’ لنا قد دعانا للعشاء فقد عرفنا بطريقة حائلي جديدة بالنسبة لي وهي دعوة الناس لتناول ‘الفاكهة’ وكانت هذه واحدة من ٦ مناسبات لتناول الفاكهة تلك الليلة وخلال ٣ ساعات حيث ما أن ننتهي من واحدة ‘نبلش’ في واحدة أخرى!
كانت غلطتنا أننا اكثرنا من أكل الفاكهة في الدعوة الاولى – حيث لم نكن نعرف عن الدعوات التالية – وبعدها اصبحنا اكثر تحفظاً في اكل الفاكهة فنقتسم حبة اليوسفي بين شخصين والتفاحة بين ٣ وهكذا وبنهاية هذه الدعوات كان مستوى الفيتامينات في أجسامنا وصل لمرحلة خطيرة فقد شاهدت وجه مازن ينقلب للون البرتقالي ولون القويز يتحول للون التفاحي!
بعدها توجهنا إلى جبة لحضور دعوة العشاء الرئيسية التي كانت من الرز واللحم وهذه الدعوة التي اشترطنا أن تكون بسيطة ولا يحضرها سوا الداعي وابيه واخيه ونحن ،كانت عكس شرطنا تماماً فقد كانت هناك ٤ تباسي من الحجم القبلي وليس العائلي وقد حضر المناسبة عدد كبير من المدعويين وقد لاحظ مازن أن طعم الرز كان ينقصه رشه من الرمل لتكتمل النكهة!
شكرنا مضيفنا على كرمه واعتذرنا عن عدم تلبية الدعوات الاخرى حيث سوف تتجه المجموعة للمطار الآن! ثم انطلقنا من جبة للمطار في حائل لكي أودع الرحالة العائدين للرياض وفي المطار ودعتهم بحزن شديد على فراق مجموعة لم أكن أعرفهم قبل هذه الرحلة وعدت بعدها مع عباطة وابن اخيه الى الفندق اقضي ليلتي به لأن رحلتي لمدينة جدة صباح اليوم التالي..
يتبع ((٨ والأخيرة) رحالة الصحراء – انطباعات ما بعد الرحلة)
طيب منهو الوسيم اللي حجز الغرف؟ :)))))))))
طارق السديري لانه طلع سليبريتي في المنطقة والعزائم اللي ابتلشنا فيها بسببه 🙂
حتى ناقته صارت سليبرتي ….عروس الصحراء…خلاص هذا اسمها ..وقريب نشوف عيالها يارب
عاد توقعت انه هو بس استحيت اقول 🙂