استيقظنا في اليوم الرابع ينقصنا الدكتور بدرالذي غادرنا الليلة الماضية وقد واجهت صعوبة في النهوض بسبب الآم المشي في اليوم السابق وكنت أتحرك كشخص عمره فوق التسعين!
اجتمعنا حول نار المخيم من قبل الفجر حيث أصبحنا نستيقظ بسهولة وكالعادة نشرب القهوة والحليب ونأكل التمر ليسري الدفئ في أجسامنا ثم نصلي ونفطر فوطورنا المعتاد من الجمرية وفول عليه زيت زيتون الجوف ولكن الشيء المختلف هذا الصباح هو بدلاً من شرب الشاي على الفطور كنت أنا والقويز ومازن نشرب بيبسي على الفطور ولأن الصحراء شديدة البرودة فكان التراب هو أفضل ثلاجة لحفظه بارداً منذ البارحة!

إفطار فول..جمرية.. بيبسي!!
لم اكن قادراً على المشي فقررت ركوب ناقتي (عيدة) حتى فترة مابعد الظهر وأحاول المشي بعدها..

على ظهر بكرتي (عيدة) لابساً الخفين لعلي أستطيع المشي لاحقاً
أنطلقنا على ظهور رواحلنا وكان الشيئ الغريب هذا الصباح – غير شرب البيبسي على الفطور – هو الهدوء غير المعتاد لصاحبنا القويز الذي عودنا على التنكيت والمبارزة وتقليد أهازيج البدو بكلمات بيروتية فقلنا لعله خير وهذا مؤشر على أن المجموعة لن تنقسم لقسمين، قسم ينطلق في المقدمة وقسم يتحلق حول القويز!
وبعد حوالي الساعة رأينا بيت شعر فاتفقنا أن نعرج عليه لنشرب القهوة وكنا قد بيتنا النية على شراء خروف صغير يكون لنا عشاءً وكان خوفنا أن ‘نبلش’ في الرجل فيصر على بقاءنا للغداء! وكانت أيضا فرصة لنا أن نسقي جمالنا ونوقنا التي لم تشرب منذ بداية الرحلة!
اتفقنا على أن يتقدم عباطة الرمالي وأن يمثل البقية دور السياح وأن نرطن بالإنجليزي بشكل أكبر وأن لا نُعرف بأسمائنا خلال السلام على صاحب الخيمة (هذا بالطبع لا يفعله إلا السياح الذين لا يفهمون عوايد العرب) وإذا وجدنا من الرجل إصراراً على بقائنا فلن نأتي على ذكر موضوع شراء خروف منه وإذا نفع عذرنا بأن لدينا مجموعة سبقتنا وغدائنا لديهم. فاتحناه في موضوع الخروف ليكون العشاء لنا.
تقدم عباطة وبعد دقيقتين أشار لنا بالتقدم فسلمنا على الرجل كبير السن وقد جلس يريد عمل دلة قهوة جديدة فقَرب ‘النجر’ وبدأ يدق ‘العويدي وينظر لنا بتمعن وربما بريبة فقد كنت ألبس جينز ونتحدث بالانجليزي بين بعضنا البعض ومعه بالعربي..ودخلت امرأة لم نر منها شيئ فوضعت تمراً يتوسطه الزبد المصنوع محلياً ورحبت بنا ثم انصرفت..

مضيفنا يجهز القهوة
على غير العادة أيضاً لم يقم القويز هذه المرة باستعراض مهاراته في اللهجة البدوية كالعادة – وهو قارئ كتاب كيف تتحدث البدوية في أسبوع – وهذا كان مثار استغرابنا وقلت في نفسي لعله يلتزم التعلميات التي اتفقنا عليها بعدم التعريف بأنفسنا أو الحديث الكثير!
قام عباطة بمناداة الرجل للخارج للمساعدة في ري الإبل ومفاتحته في موضوع الخروف وفي تلك الأثناء أصيب محمد القويز بوعكة صحية مفاجأة كاد أن يغمى عليه فجلبنا له الماء فشرب منه وصببنا الباقي على راسه وأعطيناها فواراً به فيتامينات وأملاح كانت مع أحد الشباب وقلقنا عليه قلق شديد!
وعاد الرجل فلاحظ تعب صاحبنا فذهب للداخل وعاد بثلاث صوان من اللبن الرائب الذي تخالطه حبيبات الزبدة..لم يشرب منه القويزولكني عببت منه حتى لم أجد ما يكفي للتنفس وكنت أحاول إقناع مازن الجبير أن يشرب فنظر للصواني بريبة وقال لي ‘نو ثأنكس آم قود’
وشرب عبدالعزيز وفهد قليلا وشرب طارق أكثرمنهم وأقل مني!
بعد أن استقر وضع صاحبنا القويز قليلا استئذنا أن نلتقط بعض الصور مع مضيفنا وفي هذه الأثناء رأينا سيدة تركب ‘الشاص’ وتشغله ثم أنطلقت وبعد دقائق عادت وفي حوض السيارة خروفنا الصغير!
قام أبو محمد (الزول السوداني الطيب) بوضع الخروف في كيس دقيق بر فارغ ثم وضعه في ‘خرج’ راحلته.

استمتع بالرحلة فإنك مطبوخ مطبوخ مطبوخ!
يعد ذلك سقينا الجمال وانطلقنا على رواحلنا وكلنا نتابع صاحبنا المتعب الذي كانت ناقته ‘السياحية’ في آخر الركب حيث كانت تتحرك على راحتها – بسبب عدم قدرته حتى على توجيهها وحثها على السير – وتقف لتأكل ثم تمشي قليلا وكنت أنا وطارق نتأخر لنتأكد من أن وضعه جيد ونحث راحلته على المشي مع المجموعة.
كان المسير حتى وقت استراحة الظهر مملاً رتيباً هادئاً بسبب وعكة القويز وقلقنا عليه!

الإنهاك بادياً على القويز أثناء استراحة الظهيرة
توقفنا في استراحة قصيرة للصلاة وتناول الفواكه ثم أعطيت القويز راحلتي النشيطة وانطلقت أمشي رغم الألم الذي كنت أحس به في كل جسمي وحتى لا يعتقد الكثير أنها كانت تضحية مني فقد كان هدفي من الرحلة إنقاص وزني!
بما أن لدينا خروفاً فلابد من ذبحه وسلخه وتقطيعه فكانت تعليمات عباطة أن نقف اليوم الساعة ٤:٣٠ بدلاً من ٥ عصراً حتى ننجز تلك المهام قبل حلول الظلام خاصة وأنه يتطلب منا جمع كميات أكبر من الحطب لطبخ الخروف والتدفئة وطبخ الفطور في اليوم التالي!
بدأ وضع القويز بالتحسن تدريجياً وإن استمرسكوته لذلك اليوم..وكان عباطة من فترة لفترة يخبرنا بملاحظات الرجل علينا..وكيف أنه استغرب من ذلك الشيئ الابيض على وجه مازن – وكان مازن قد وضع عازلاً للشمس ولم يحسن توزيعه على وجهه لعدم وجود مرآة وكيف أنه اعتقد أن القويز أفغاني وأنني يمني!
طبعاً لم ينس عباطة أن يشير إلى أن مضيفنا ليس “شمَرياً” وإلا كان بلشنا فيه ولا يفكنا إلا بعد الغداء ولم نرغب ان نجادله في هذا الموضوع!
من جهة أخرى بدأنا في نسج روايات عن عباطة والبنت التي أحضرت الخروف وقد بدا لنا أنه استساغ ذلك فاستمرت الروايات والحكايات حتى نهاية الرحلة وقد كان المحرك لهذه القصص هو الرباط الأحمر الذي وضعه على جمله وكان هذا الرباط قد ربطت به البنت خروفنا في حوض سيارتها! وكاد عباطة أن يستهلك ما تبقى من بطارية جواله وهو يستمع لأغنية لخالد عبدالرحمن!
المجموعة تعتقد أن عباطة الرمالي سوف يعود لتلك الخيمة خاطباً ذات الرباط الأحمر مع أنه لم ير منها قيد أنملة!
بحلول الرابعة والنصف عصراً قررنا التوقف وانطلقنا نجمع الحطب وننزل الأغراض عن رواحلنا وفي تلك الأثناء قام علي السوداني يساعده عبدالعزيز بذبح الخروف وسلخه – قام عم علي بسلخ الخروف على الأرض بواسطة إدخال أصابعه ويده تحت جلد الخروف بدأً من القدمين حتى وصل للرقبة – ثم انضم لهما فهد العمران ليقف بجوار ابن عمه كعمود ثانٍ يتم تعليق الخروف على عصا يتم تثبيتها على كتفيهما!

عبدالعزيز يفك الخروف من الكيس استعداداً لــ ....

المرحوم بين يدي عبدالعزيز وعم علي
قبل نهاية التقطيع حضرت وطلبت الحلول عموداً بديلاً لعبدالعزيز لغرض التصوير 🙂
بعد انتهاء التقطيع اتفقنا أن نشوي بعضا منه والباقي نكبسه ونجعل الكبد فطوراً ملكياً لليوم الخامس والأخير من الرحلة.
تولى عباطة والزول علي موضوع الكبسة وأنا بدأت أشوي الضلوع وبعد انتهاء أول دفعة طلبت من القويز وفهد تذوقها فاختلف فقهائنا هل كانت ‘ميديوم رير’ أم ‘ميديوم’ وكان هدفنا هو ‘ميديوم ويل’ والمثير للعجب أن نصف الضلوع اختفت اثناء التذوق بدون أن يتفق فهد والقويز على درجة النضج!
لم يرق ذلك لعبدالعزيز الذي قرر أن يسلق ماتبقى من الضلوع نصف استواء ثم بعدها نشويها.. فأحضر قدراً ووضع فيه ماء ووضع به الضلوع وبدأ القدر بالغليان..
في هذه الأثناء يبدو أن عبدالعزيز نسي الهدف الرئيس للموضوع فبدأ يرتجل فأحضر عبوة صلصلة السعودية وأفرغها على الضلوع في قدر الغلي! ولأن القدر بلا غطاء فقد تبخر الماء ولم يستوي اللحم بل بدأ يحترق فأبعد القدر عن النار وتذوق فقهاء التذوق القويز وفهد وهما مابين ميديوم رير ورير الى أن انتهى تقريباً ولم يكن للباقين نصيب نظراً لاختلاف الفتوى! لكم أن تلاحظوا أن القويز لم يكن في أفضل حالاته ولم تكن شهيته مفتوحه بسبب وعكته الصحية!!!
لحسن الحظ، باقي الخروف كان في القدر الكبير بيد عباطة والزول وإلا لما تعشينا لحماً تلك الليلة!
بعد نضج الكبسة تم توزيعها على صحنين كبيرين وقمنا للعشاء بيد كل منا علبة مشروبات غازية ولم يكن مازن راضياً عن الرز بشكل كامل لأن مستوى الرمل كان أقل من المعتاد!
أسعدنا تعافي صاحبنا القويز الذي بدأ بتذوق الشواء وعرج على الكبسة وبعد العشاء تواصل طارق السديري بالشخص الذي (حجزنا) على العشاء إذا وصلنا ‘جُبَة’ – كانت هناك تغطية شبكة وإن كانت ضعيفة لقربنا فيما يبدوا من نقطة النهاية – ليؤكد له قبولنا للعزيمة بشرط أن تكون ‘خفيفة’ لا يحضرها إلا هو ووالده ونحن.
بعدها جلسنا نتناقش في كيفية حضور عزيمة ونحن لم يمس أجسادنا الماء منذ ٥ أيام؟ وكنا نبرر لأنفسنا أن الرجل لم يعزمنا إلا وهو يعرف وضعنا ويتوقع أن نأتيه شعثاً غُبراً ‘خايسين’!!
قررنا أن ننام وفي الغد نجد حلا لهذا الموضوع أثناء طريقنا إلى جبة وهي نقطة النهاية في رحلتنا عبر النفود..
عرض مازن على القويز – المريض – أن يساعده في نصب خيمته التي اشتراها من ساكو فلم يرغب القويز أن ينام في الخيمة وأنا أذكر أن مازن كان يرغب بتلك الخيمة قبل ليلتين عندما حدثناً عباطة قصصاً كثيرة عن الذئاب!
قبل النوم قام العم بوضع رأس الخروف كما هو بشعره وجلده في حفرة صغيرة ملأها بالجمر ثم أضاف فوقه جمراً ودفنه واندس كل منا في كيس نومه نُمني أنفسنا بإنهاء هذه الرحلة بشكل مميز..
يتبع ((7) رحالة الصحراء – هرفي برجر!)