(3) رحالة الصحراء – هل تختار الجمل المناسب لك على طريقة فيلم أفاتار؟

قياسي

في تمام الساعة ٥:٣٠ رن منبه جوالي فاستيقظتوقمت بما يقوم به المستيقظ من النوم (…!!) وعدت لترتيب كي أرتب كيس نومي وأغراضي ثم اتجهت لنار المخيم وقد تحلق حولها أبو عطا الله (دليل الرحلة)  وأبو محمد (علي السوداني) وابو فايز (دليل رحلة تجربة الجمال) وقد جهزوا “قهوي” (أهل الشمال من شمَر ينطقون الهاء والتاء المربوطة في آخر الكلمة ياء ، قهوة = قهوي) والشاي والحليب بالزنجبيل وقد سبقني إليهم عبدالعزيز العمران ثم انضم إلينا طارق السديري تلاه الدكتور بدر البدر ثم توافد بقية الرحالة وظهر لنا جلياً أن عبدالعزيز لم ينم إلا ساعة أوأقل لأنه اختار كيس نوم متقدم تكنولوجياً خفيف الوزن نحيفاً كنت أظنه كيس وسادة من الحجم الكبير 🙂 بعدها أصبح إقناعه بأخذ كيس نوم يزن بضعة كيلوجرامات كان في (اللوري) المخصص لحمل الأغراض -التي لانرغب بها لنقطة النهاية – سهلاً جداً!

قام أبو محمد بعجن دقيق البر الأسمر وصنع قرصين كبيرين سميكين بينما قام أبو فايز وعباطة بتمهيد الأرض بجوار نار المخيم ثم بدأ بسحب قطع من الجمر وفرشها على المنطفة الممهدة وبعدها وضع أبو فايز القرصين عليها ثم دفنهما بالرماد الساخن والتراب وهي أكلة بدوية لها عدة أسماء منها الجمرية أو قرص الملَة (بتشديد اللام) والملة كلمة عربية فصيحة وردت في أحد الأحاديث عن صلة الرحم ومعناها الرماد أو الرماد الساخن.

مراحل خبز (الجمرية) قبل الفجر

 

القرصان جاهزان للخبز

بدأ الخبز الآن

ألذ خبز تبدأ به يومك بعد ليلة قارسة

بينما نضج القرصان قام ابو محمد بتجهيز الفول من (قوطي) وزيت زيتون من انتاج منطقة الجوف – والجوف مشهورة بزراعة الزيتون وأنصحكم بالبحث عن زيتونهم في المرة القادمة عندما تذهبون للتسوق – وأفطرنا فطوراً رائعاً بنكهة التراب الصحراوي وقد تعلمنا خلال الرحلة أن نمضغ الأكل نصف مضغة أي لانطبق اسنانا خلال المضغ بالكامل حتي نتفادا ذرات التراب المميزة وجل أن يخاو أكل الصحراء منها!

بعد الإفطار قام عباطة وعلي السوداني بفك الجمال والنوق من عُقُلها وإحضارها وإناختها بجوارنا (وتتم إناخة الجمل أو الناقة بشد الرسن أو الخطام للأسفل مع الضرب البسيط على رجل الجمل أو الناقة والصياح عليها بكلمة “خيا..خيا..خيا” بصوت عال) لكي يتم تحميل الأغراض التي نرغب بحملها معنا أثناء الرحلة بالاضافة للماء والأكل وأغراض الطبخ وشعير كعلف للإبل ومازاد تم وضعه في (اللوري) الذي سوف يقابلنا فقط في نهاية الرحلة في مدينة حائل.

انطلق (اللوري) والسيارة التي اوصلتنا للمخيم ومعهم أبو فايز دليل رحلة تجربة الجمال الذي قدم بها من حائل وبدأ عبدالعزيز العمران باختيار أول جمل (سمه حمران ولعله اختاره لأن اسمه يتناغم مع العمران مثلاً) وبدا للجميع أنه لم يكن بين عبدالعزيز العمران وجمله حمران أي (كيميستري) من البداية.. فالجمل يهدر (يصدر صوتاً مزمجراً مهدداً) ويصيح وعبدالعزيز يهدد بالخيزرانة ويضرب الجمل من حين لآخر.. بعد تحميل أغراض عبدالعزيز على جمله، قام عباطة بمسك رسن الجمل على يركب عبدالعزيز على ظهره وما أن أحس الجمل ببداية ركوب عبدالعزيز امتشط واقفاً قبل أن يستوي عليه جيداً ووقف وكان أول من امتطى ركاباً ذلك اليوم فلله دره من فارس مغوار:)

الاستعداد للانطلاق في اليوم الأول

لما رأيت عدم التوافق بين عبدالعزيز وجمله اقترحت على المجموعة أن تقوم الجمال باختيار من يركب على ظهرها على طريقة فيلم”أفاتار” ولكن اقتراحي لم يلق إعجابهم لأنه يتطلب أن ننتظر حتى تنبت لنا ذيول “لنشبكها” بذيول الجمال لمعرفة التوافق من عدمه!

كنت ارمق بكرة (أنثى الناقة الصغيرة) تسمى (عيدة) لأنها قامت وهي مقيدة اليد.. ثم تم إناختها وتقييد (ربط) مقدمتيها فقطعت قيداً وقامت مقيدة اليد الأخرى فأعجبني نشاطها واخترتها!

وقد كان مازن الجبير رمقها بعينه في المرات التي قامت مقيدة اليدين فعرضتها عليه ولكنه أصر بما أنني اخترتها أولا فإنها لي ولا أدري هل كان يعني ذلك فعلاً أم أنه خاف من جموحها وانتهى به المطاف على ظهر جمل اسمه (حيدر) ولاسم الجمل قصة عجيبة ولكنها قصة “مشفرة” غير قابلة للتداول خارج مجموعة الرحالة لأنها (Rated)!

محمد القويز امتطى ظهر ناقة اسمها (السياحية) ولها من اسمها نصيب كما اكتشفنا لاحقاً وكان ثاني شخص يركب (رحوله) وانتظر هو وعبدالعزيز على رحولهما حتى يجهز بقية الرحالة!

فهد العمران أيضاً لم يكن حظ ناقته أفضل من جمل ابن عمه فقد بدى عدم التفاهم بينهما من البداية ولا أدري هل “العمران كزينز” لديهما مشاكل متأصلة مع الحيوانات أم أنها صدفة فقط.. في نهاية الرحلة كانت خيزرانة فهد قد تشققت من الأسفل من كثرة استعمالها!!

انطلق الجميع في الرحلة الجديدة علينا كلياً ما عدا طارق وعباطة وقد لاحظت من البداية أن ناقتي الصغيرة (عيدة) سريعة نشيطة فأاطلقت تسبق الجميع بما فيهم دليل الرحلة وكان عباطة يوجهني يميناً يساراً كلما حُدت عن المسار الذي في باله ثم بعد فترة اضطررت أن أتأخر حتى أمشي خلفه.. كانت (عيدة) حساسة جداً من منظر العصا بيدي فوضعتها في “الخرج” وهما جيبان كبيران يوضعان على شداد الجمل وتوضع به أغراضاً مختلفة.. كان استخدام “الرسن” لتوجيه ناقتي يمينياً ويساراً يكفي حيث لم أكن بحاجة لحثها على السرعة بل في الغالب تقنين سرعتها!

وانطلقت القافلة والصورة من على ظهر ناقتي عيدة

كنت حريصاً على أن أظهر بالراكب المحترف حتى يصدق طارق كذبتي البيضاء حيث قلت له أني خبير في ركوب الجمال عندما حدثني قبل الرحلة والواقع أن آخر عهدي بركوب الجمال كان قبل عقدين من الزمان في قريتي الصغيرة في جنوب جيزان!

كلما مضى وقت لاحظت افتراق وتباعد المجموعة..أنا وعباطة وطارق في المقدمة.. يلينا الدكتور بدر ثم مازن ثم القويز والعمران كزينز.. كان صوت القويز (يلعلع) خلالها بالتنكيت والنشيد والغناءعلى الطريقة البدوية بأغنية فيروزية (بتمرق علي امرق ما بتمرق ما تمرق مش فارقة معاي مش فارق معاي..) ليست لها علاقة بالموضوع وهذا اجتذب الجماهير حوله وكان عباطة الرمالي يتهمه بتأخير سيرنا وكلما سمع القهقة العالية خلفنا كان يقول ويضري رأسه “أويلييييه يالقويز” 🙂

بعد حوالي 3 ساعات من الركوب قررت أن أترجل لأنه هذا أحد أهم أسباب انضمامي للرحلة وهو المشي للوصول لأقل من 70 كيلو ليلة رأس السنة.. انضم إلي الدكتور بدر ثم طارق وعند أحد المرتفعات لم يستطع (حيدر) جمل مازن الصعود وبرك وتلته (سياحية) القويز فسارا على الأقدام حتى وصلنا نقطة استراحة الظهيرة في الساعة 12 ظهراً حيث توقفنا وقام عباطة بإشعال النار لطبخ الشاي والقهوة وهنا أخرج مازن “تشكوليت تشيبس كوكيز” كانت مخبأة لديه (تهريب) وأكلنا بقية الجمرية التي أفطرنا منها وصلينا الظهر والعصر جمعاً وقصراً ثم قررنا المواصلة!

تنازلت عن ناقتي (عيدة) للقويز ورغبت بتجربة ناقته (السياحية) التي يبدوا أنها قررت إلغاء الرحلة ورفضت القيام من مبركها فتركتها لأبي محمد ليشبكها مع ناقته وأنطلقت مشياً على الأقدام وشاركني المشي الدكتور بدر وطارق السديري واستمر بنا المسير حتى الساعة 5 قبل المغرب فتوقفنا وأنزلنا أمتعتنا من على ظهور جمالنا ووضعناها في أماكن نومنا وانتشرنا نجمع الحطب قبل الظلام لنتسخدمه في طبخ العشاء والتدفئة خلال التسامر وفي الطبخ فجراً وبدأ طبخ الشاي والقهوة وصلينا المغرب والعشاء ثم بدأ طبخ كبسة العشاء من لحم الضأن المجفف (قفر) بفتح القاف والفاء وأخرج عبدالعزيز العمران أنواع الكليجة (المهربة أيضاً) والقويز أخرج أكله اسمها “العفيس” ومازن يعرض علينا الكوكيز.. الغريب أن القويز كان قد أكد قبل الرحلة على أنها رحلة (هارد كور) والأكل هو اللحم المجفف والخبز الذي نخبزه!

بعد العشاء أكد علينا قائد الرحلة (طارق السديري) أهمية الوقت لنصل لنقطة النهاية في اليوم المحدد وأننا تأخرنا في الانطلاق في اليوم الأول بسبب أننا لأول مرة نجهز الجمال ونمتطيها ولابد أن نتحرك غداً في تمام الساعة 8 صباحاً حيث قطعنا في اليوم الأول 26 كيلو متراً.. بعد العشاء انطلق كل إلى كيس نومه -وكان الجميع مرهقاً- وبقيت أنا وعبدالعزيز ندخن السيجار والسجائر نناقش البطالة والسعودة حتى الساعة 11 مساء وكنت متهماً من قبله بأنني مستمع سيء لأني لا أعطيه فرصة إبداء رأيه في ذلك النقاش فاتفقنا على أن نختلف ونواصل النقاش لاحقا..

ذهبنا للنوم وعلى نقيض الليلة الماضية لم أشاهد ذلك النور الأحمر يشع من جبهة الدكتور بدر.. حيث عم السكون ولم يقطعه إلا شخيرمحمد القويز الذي عزف على جميع المقامات..

يتبع ((4)رحالة الصحراء – مافيه روه لازم قهوة إند أمي)

(2) رحالة الصحراء – وش فيك مصيِف؟

قياسي

بعد الوصول من الرياض لمدينة جدة مساء الثلاثاء ٢١ ديسمبر، تم استكمال النقاش السابق بين الزوج وزوجته الذي حجب الرقيب تفاصيله..

الشنطة كانت تقريباً جاهزة وكنت أقرأ قائمة التجهيزات المقترحة التي أرسلها محمد القويز للتأكد من عدم نسيأن أي شيئ على أن لا نتجاوز شنطة واحدة تحمل على الظهر وهي معادلة كادت أن تكون مستحيلة رغم أنني عمدا تجاهلت الأدوات التي كنت آعتقد – بسبب تربيتي الجازانية – أنها تنتقص من الرجولة ومنها مرطبات البشرة والشفايف ومافي حكمها!

استيقظت من النوم صباح الأربعاء بعد ذهاب زوجتي للجامعة وبناتي للمدرسة وقمت بتغيير ملابسي وتوجهت للمطار!

أول شيئ اكتشفته في المطار أن خط الرحلة هو جدة -المدينة – سكاكا مع أنها على موقع الخطوط السعودية تظهر أنها رحلة مباشرة.. الشيئ الآخر هو تأخر الرحلة في الإقلاع من جدة وقد كنت حريصا على إرسال رسائل نصية لمحمد القويز حتى لايتركوني ويذهبوا بدوني!!!

وصلنا المدينة المنورة وبعد التوقف لفترة قصيرة انطلقت الطائرة لمدينة سكاكا التي لم يسبق لي أن سافرت لها وبعد هبوطها حملت شنطتي على ظهري حيث وضعت كيس النوم في كيس بلاستيكي منفصل وهبطت سلم الطائرة بلبسي الصيفي المكون من جينز وتي شيرت وكاب (قادم من جدة الدافئة) لأجد محمد القويزوبجواره شخص آخر فسلما علي ثم صحباني لصالة كبار الزوار بالمطار (وكانت تجربتي الأولى والوحيدة في الدخول لمثل هذه الصالات البرجوازية!!) فدخلت فإذا أنا الوحيد الذي لا يلبس ثوباً وشماغاً رغم أن معظمهم كان يلف الشماغ حول راسه كالطريقة الاماراتية فعرفاني ببقية أعضاء المجموعة، عبدالعزيز العمران وابن عمه فهد العمران ومازن الجبير ود. بدر البدر ثم سلم علي شخص آخر عرف عن نفسه أنه مندوب أمارة المنطقة ورحب بي ثم أهداني (أو شرهني) فروة للبرد وكتيب وسي دي عن المنطقة وهذا فسر لي حمل كل شخص من رحالة الصحراء الذين سبقوني بالوصول لفروة عندما دخلت الصالة حيث أن ذلك لم يرد في قائمة الأدوات التي نحضرها والتي أرسلها لنا محمد القويز مسبقا!

بعد شرب القهوة تم حمل متاعنا لتوضع في سيارة مرافقة ثم أنطلقنا نحن إلى متحف المنطقة لجولة به على أن ننطلق بعد ذلك لنقطة الانطلاق!

أثناء دخولنا المتحف كان به مندوب عن المحافظة وأشخاص من المتحف ولم يأخذ منهم وقتاً كثيراً لنصيحتي أنني (مصيف على الآخر في ملابسي!)

أثناء الجولة في المتحف استرقت النظر لغرفة كان بابها نصف مفتوح (لأني شخص متفائل لم اقل نصف مغلق) وإذا أمامي تبسي (صحن كبير) به ذبيحة كاملة ورز وتناثر حول التبسي الفواكه والمشروبات الغازية والماء فقلت وقتها أن حميتي الغذائية التي بسببها رغبت في المشاركة بهذه الرحلة سوف تكون نهايتها وخيمة!!

جلسنا في مجلس كبير دارت به أكواب الشاي والقهوة والتمر وكيك التمر المصنوع محلياً من الدخن والتمر ثم بعدها قام المرشد بشرح تاريخي عن المنطقة وما بها من آثار وأهمية موقع الجوف وكنا نحتسي القهوة والشاي اثناء الجولة في المتحف!

الجولة داخل متحف منطقة الجوف

وبعد الانتهاء من الجولة في المتحف تم دعوتنا للغداء الذي قامت المحافظة بإعداده على شرف رحالة الصحراء.

بعدها ركبنا السيارة التي سوف تقلنا لنقطة الأنطلاق وكان أول عمل قمت به بعد ركوبي السيارة هو لبس جاكيت ثقيل نسبياً تلافياً لأي تعليقات إضافية بأني مصيف في الشتاء!

وصلنا لنقطة الانطلاق خارج دومة الجندل اسمها ‘نية مطير’ بتشديد الياء وهناك وجدنا منظم الرحلة وقائد المجموعة طارق السديري الذي رحب بنا أجمل ترحيب وكان معه دليل رحلة تجربة الجمال (قدما في رحلة معاكسة من مدينة حائل إلى دومة الجندل) ودليل رحلتنا ابو عطاالله (عباطة الرمالي) والزول الطيب علي السوداني الذي كان الجندي المجهول في الرحلة!

أبو عطا الله (عباطة الرمالي) دليل الرحلة وخبير الصحراء 🙂

الزول علي السوداني وابتسامة دائمة

قام قائد رحالة الصحراء بشرح الخطة وطلب من كل شخص تجهيز مكان نومه قبل الظلام وحبذا لو يتم الاحتماء بشجيرة لتصد الهواء البارد فتوزع أعضاء الفريق ليضع كل منهم عدته بجوار شجيرة ثم وضع كل واحد فروته على جسمه وتحلقنا حول النار لننعم بالدفئ ونحتسي القهوة والشاي ونتسامر بينما بدأ ابوعطا الله وأبو محمد (الزول علي) بتجهيز العشاء من كبسة لحم الحاشي المجفف (يسمى قفر) بفتح القاف والفاء على نار بجوار النار التي تحلقنا حولها ومن ثم قمنا للعشاء لتجربة القفر الذي ذقته لاول مرة وتجفيف اللحم من الامور المهمة في الصحراء لكي لا يفسد اللحم بسبب عدم وجود الثلاجات.

د. بدر يجهز مكان نومه حلف شجيرة قبيل مغيب الشمس

بعد العشاء جلسنا ‘نتعلل’ أي نسولف وبدأ دليل رحلة الاختبار ابو فايز بسرد الألغاز الشعرية وهي وسيلة ترفيه تلقى رواجاً في البادية وحل الألغاز يدل على ذكاء الشخص وسرعة بديهته..

المجموعة تتسامر حول نار المخيم طلباً للدفئ

كلما قال لنا لغزا شعريا نفشل في معرفته وكان فريق المدن مهزوماً شر هزيمة فأخذت الآيفون – كنا في منطقة مازال بها تغطية للشبكة – و(قوقلت) بعض الألغاز الشعرية خلسة بدون أن يلاحظني أحد ثم سألتهم عن لغزين بنفس صيغة السؤال المعتادة لمثل هذه الألغاز:

(أنشدك عن) عذرا لها حبل وخطام *** تنزف غزيرالدم ساعة غرقها

وجوابه هو كيس الشاي الليبتون، وقد فرحت من عدم قدرة ملوك الألغاز الشعرية علی معرفة الإجابة.

ثم لغز آخر:

أنشدك عن بنت لها رجلين *** رجل يجامعها ورجل يناظرها

اللي يجامعها يضغط عليها زين *** واللي يناظرها يعلمك بسرايرها

وهو وإن بدى لأول وهلة أنه لغز جنسي فإن جوابه كفر السيارة والزوجان هما المنفاخ ومقياس ضغط الهواء.

لم يستطع البدويان حلهما وهذا الدفاع عن شباب (المدن والهمبورجر) اشعرني بنشوة وإلا في الواقع أنا (من جنبها) في ألغاز الشعر:)

أنتثرنا لأماكننا بعد التسامر وكلٌ اندس بداخل كيس نومه وكنت أرمق الدكتور بدر الذي كان على مسافة ٣٠ متراً عن يميني وقد وضع على رأسه عصابة يشع منها ضوء حيناً أبيض وحيناً أحمر ولا أظن ذلك إلا المدعو (إنفرا-ريد) وكان يقرأ كتاباً مكتوباً بلغة الفرنجة رأيته في يده أول الليلة!

قمت بوضع المنبه على الساعة ٥:٣٠ صباحا حتى استيقظ باكراً.. يتبع ((٣)رحالة الصحراء – هل تختار الجمل المناسب لك على طريقة فيلم أفاتار؟)

(1) رحالة الصحراء – ما قبل الرحلة!

قياسي

وصلتني دعوة على فيسبوك من محمد القويز – الذي قابلته مرة أو مرتين في اجتماعات قصيرة تخص العمل – في الأسبوع الثاني من نوفمبر ٢٠١٠م بها الخطة المبدئية لرحلة لقطع صحراء النفود على ظهور الجمال ومشياً على الأقدام تقليداً للقدماء ممن لم تتوفر لهم وسائل المواصلات التي لدينا اليوم.

كانت الخطة المقترحة أن يتم التجمع في المدينة المنورة ومنها الانطلاق بالسيارات إلى مدائن صالح حيث يتم التجول بها ثم الاتجاه منها على ظهور الجمال إلى مدينة حائل وهي نقطة نهاية الرحلة.

أول شيئ لاحظته أنني لا أعرف أي من المدعوين إلا د. بدر البدر الذي تعرفت عليه في إحدى المناسبات بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية والداعي معرفتي به محدودة كما ذكرت لم تتعد لقاءات بالمكتب وإيميلات واتصالات هاتفية لم تكن بعيدة عن مجال العمل غير أنني أقرأ عموده غير المنتظم في جريدة الاقتصادية.

الشيئ الثاني هو الحث على تأكيد المشاركة بشكل سريع لأن العدد محدود جداً وأنا من الصعب علي معرفتي جدولي لفترة تتعدى الأسبوع حيث أعمل ما بين جدة والرياض بشكل أسبوعي تقريباً.

قمت بحيلة وقلت لعلها تنفع وطلبت المشاركة في الرحلة على أن يتم التأكيد النهائي في منتصف شهر ديسمبر خاصة وأن الرحلة تبدأ في ٢٢ من ديسمبر ومباشرة قمت بعمل حجوزات وشراء تذاكر من جدة للمدينة المنورة (نقطة البداية) ومن حائل لجدة (نقطة النهاية) وبدأت عملية التسوق التدريجي للأغراض التي تنفع لجو الصحراء القارس في مثل هذه الفترة من السنة وبعدها عكفت على مراقبة تطور جدول العمل والتغييرات التي تتم بشكل مستمر خاصة ونحن في معمعة وضع الاستراتيجية للخمس سنوات القادمة وخطة العمل للسنة القادمة..

في مرحلة ما، تم تأجيل ورشة عمل مدتها أسبوع كامل وهنا بدأ اليأس يدب في نفسي حيث أن الوقت أصبح حساساً..

في هذه الأثناء يصلني إيميل أثناء تواجدي في الرياض بأن المجموعة سوف تقوم بتجربة ركوب الجمال (Test drive) خلال عطلة نهاية الأسبوع وذلك بالتوجه لمدينة الغاط حيث توجد مزرعة المنظم الرئيس للرحلة فاعتذرت عنها لعدم تواجدي في الرياض خلال نهاية الاسبوع، بعدها بثلاثة أيام ورغم أن جدولي كان مضغوطاً وغير واضح المعالم فقد غامرت بإعطاء التأكيد النهائي حتى لا تضيع مني هذه الفرصة.

بعد إرسال التأكيد وصلني إيميل من محمد القويز يعتذر بشدة عن عدم وجود إمكانية حيث أن خط الرحلة قد تغير وبدلاً من البدء في المدينة المنورة سوف تبدأ الرحلة من مدينة الجوف ونظراً لعدم توفر جمال كافية فقد تم الاعتذار لأحد الذين أكدوا مشاركتهم من البداية فما بالك بمن أكد قبل أيام (يعني أنا) وكان هذا الخبر مؤلماً حيث كنت أتشوق لهذه الرحلة وقد أنهيت عملية التسوق بالكامل مستعداً لها فماذا أعمل بهذه الملابس والأدوات التي لا تنفع الا للأماكن شديدة البرودة وأنا الذي أعيش في جدة الرطوبة!

تقبلت على مضض وقلت في ردي لمحمد القويز، إن شاء الله يكون لي نصيب في الرحلات القادمة وأعدت التأكيد على حرصي على المشاركة حتى بدون جمل حيث أرغب بالمشي! هذه الرغبة بالمشي كان سببها هو الحمية الغذائية التي بدأتها في رمضان من ذلك العام حيث كان وزني وقتي 92 كج وكان هدفي أن أكون تحت 70 كم في ليلة السنة الجديدة 2011م.

بعدها بيومين وردني اتصال من رقم غير مسجل لدي وقد ترددت قبل الرد عليه وكان من حسن حظي أن قمت بالرد فقد كان على الطرف الآخر طارق السديري الذي فتح لي نافذة أمل جديدة حيث أخبرني بالجدول الجديد وأنه في حال توفر رحلة لي يوم ٢٢ ديسمبر من جدة لمطار سكاكا بالجوف فسوف يتجه هو قبل المجموعة ليبحث عن جمال إضافية ويقوم بتجربتها فطلبت منه مهلة ٥ دقائق للتأكد من وجود رحلات فدخلت موقع الخطوط السعودية وقمت مباشرة بحجز رحلة تصل مدينة الجوف الساعة ١:٢٠ ظهر يوم ٢٢ ديسمبر وعاودت الاتصال به أزف له بشرى وجود رحلة وأني قد حجزت.

أمضى طارق قرابة ١٠ دقائق يشرح لي صعوبات الرحلة ومنها أن الأكل سوف يكون شحيحاً وأن الغداء سيكون ما يتبقى من الفطور وأن ركوب الجمال ليس سهلاً ومتعباً الخ الخ ولكي يطمئن شرحت له أني ابن قرية وقد قمت بالرعي فترة من عمري وركبت الجمال من قبل وأنني معتاد على الخشونة فلعله صدقني.

اختتم الحديث بأن التأكيد من عدمه سوف يصلني عن طريق القويز يوم الأحد ١٩ ديسمبر! قمت بشراء التذكرة يوم الجمعة ١٧ ديسمبر حيث أنني سوف اقضي أيام السبت الى الثلاثاء ١٨-٢١ ديسمبر في الرياض.

وصلني التأكيد يوم الأحد أو الاثنين ففرحت كثيراً ولم يعكر صفو هذه الفرحة سوی التفكير في ما سوف أقوله لزوجتي عندما تعرف أنني سوف أعود من الرياض بعد غياب أسبوع تقريباً لأنام ثم استيقظ لأسافر لمدينة سكاكا وأغيب لمدة أسبوع آخر في الصحراء..ثم بعد ذلك أطلب منها تجهيز شنطتي ووضع مافي الأكياس التي كنت أحضرها خلال الأسبوعين الماضيين في تلك الشنطة ولم تكن تدري مافيها حيث أنني كنت أخفيها في الدولاب فور وصولي!

مقص الرقيب قام بقص هذا الجزء من النقاش الراقي بين الزوج وزوجته..

يتبع ((٢) رحالة الصحراء – وش فيك مصيف؟)